أسرار

لماذا لا نتذكّر طفولتنا المبكرة؟

كم من المرّات نتحسّر على الأوقات الجميلة التي طبعت طفولتنا، و نحاول ان نستذكر أحداث طفولتنا المبكرة، حين لم تكون هموم الحياة المعقّدة تقضّ مضاجعنا و تجرفنا بعيداً عن ذكريات الطفولة الهانئة؟ لكنّنا عبثاً نحاول ان نتذكّر ابعد من سنوات البلوغ الأولى مهما بذلنا من مجهود!! يبدو كأنّ هذه السنوات المبكرة من طفولتنا قد امّحت تماماً من ذاكرتنا!
وبالفعل، هذا ما يحدث تماماَ لذكريات الطفولة المبكرة! ان ذاكرة البالغين تخزّن المعلومات بطريقة منظّمة و منهجيّة ممّا يسمح بإسترجاعها، لكنّ الأطفال يخزّنون الذكريات بطريقة مختلفة!
كي نفهم لماذا لا يمكننا تذكُّر أنفسنا و نحن أطفال رُضَّع أو أي حدث حصل في سنوات عمرنا المبكرة، يجب علينا في البداية فهم كيفيّة تَكَوُّن التجارب الأولى و كيفّية تعامل الدماغ معها خلال هذه السنوات!
ان الأطفال الرُضَّع يعتمدون على نوعين من الذكريات:
matchmallows-chocolate
١- الذكريّات الدلالية Semantic memory
٢- الذكريات العرضية episodic memory.
الذكريات الدلالية تتكون عندما يتعامل الدماغ مع المعلومات غير المعتمدة على الإختبار الذاتي مثل الأسماء، الألوان، تواريخ الأحداث التاريخية المهمّة، أصوات الأهل، اشكال الأشجار…
أما بالنسبة للذكريات العرضية فيتم تكوينها من خلال الإختبارات الشخصية مثل كيف قضى الطفل أوّل يوم له في المدرسة ،أين كان عندما وقع حدث مهـّم ما، كيف احتفل أهله بعيد ميلاده…
و مع الوقت الطويل تتحوّل الذكريات العرضية إلى ذكريات دلاليّة في أغلب الأحيان، فأنت على الأغلب لا تتذكّر أنك تعرفت على الكلاب من خلال لعبك مع كلبك الأول، إلا أنك تعرف ما هو الكلب فقط! و كذلك لا تتذكّر كيف كان يقود ابوك السيارّة، لكنك تعرف انواع السيارات التي ركبت فيها اثناء طفولتك!…
أخصّائيّو الدماغ يعتقدون أن السبب وراء عدم قدرتنا على إسترجاع الأحداث من الطفولة هو كيفية تخزين تلك الذكريات و كيفية الوصول إليها!
في حين أن النوعين من الذكريات تتخّزن في مناطق مختلفة من قشرة الدماغ، إلاّ و أنه حتى سن الثانية إلى الرابعة يبدأ الجزء المسمّى بحُصيّن الدماغ hippocampus بصنع شبكات بين المناطق المختلفة ليشكّل فيما بعد مصدراً مركزيّاً واحداً للمعلومات!
هذه الإرتباطات تسمح للأطفال كما و للبالغين باسترجاع ذكرياتهم على المدى الطويل!
هل هذا الكشف عن كيفيّة تعامل الدماغ مع ذكريات الطفولة المبكرة يفسّر حقاً لماذا لا نتذكّر أنفسنا و نحن أطفال رُضَّع؟
النتائج التي نشرت في مجلة Science كشفت النقاب عن سبب فقدان الذاكرة الذي يصاب به الأطفال و البالغين عن سنوات عمرهم الأولى!
فالدراسة ألقت الضوء على تَكوُّن خلايا جديدة في الدماغ منذ سنوات الطفولة الباكرة! ان عمليّة بناء خلايا عصبّية جديدة و التي تُعرف ب neurogenesis، تحدث خلال كل فترة حياة الثدييات، إلا أن الأطفال الصغار يُنتجون هذه الخلايا بكميات كبيرة في أوقات قصيرة و قياسية، و تتمركز هذه الخلايا في منطقة الحُصَيّن والمسؤول عن استرجاع الذكريات في المناطق الأخرى البعيدة التي تتخزّن بها خلال سنوات الطفولة و المراهقة!
و قد أجرى العلماء اختبارات على عدد من القوارض، بحيث انقسمت الى مجموعتين:
– المجموعة الأولى كانت تنمو بطريقة طبيعيـة، و تكوّن لديها خلايا عصبيّة جديدة في منطقة الحصين اي (Hippocampus) خلال فترة الإختبار التي امتدّت ثلاثة اشهر!
– المجموعة الثانيَة خضعت لهورمونات مثبطة لعمليّة بناء خلايا عصبيّة جديدة(Neurogenesis), فبقيت تعتمد على الخلايا الأصليّة التي انخفضت وتيرة انقسامها الى خلايا جديدة!
و كانت النتيجة حاسمة:  المجموعة الثانيّة من القوارض كانت قادرة على تذكّر المعلومات الأساسية التي تلقنتها في المختبر في بداية الإختبار بصورة أسرع و اكثر دقّة من المجموعة الأولى التي انتجت خلايا عصبيّة جديدة في منطقة الحصّين!

و يخلص علماء الدماغ و الأعصاب بأن نمو تلك الخلايا و إنتاجها في حُصَيّن الدماغ يعرقل عمله في تكوين و الوصول إلى الذكريات القديمة! و يبدو ان طبيعة الدماغ حريصة على الحدّ من تراكم المعلومات في الذاكرة الإسترجاعيّة للحصين، حمايةً لخلايا الدماغ من تشابك المعلومات الجديدة الضروريّة للنمو مع المعلومات القديمة

الفئات الحياة الشخصية والعائلية

التعليقات