أسرار

هل يمكنك ان تعيش بذاكرة من ٧ ثواني؟

هذه الحالة الغريبة يعيشها “كليف ويرينغ” منذ ثلاثين عاماً! ان كان فقدان الذاكرة حالة شائعة طبياً، “فالذاكرة الجنينية” حدث نادر جداً !
لا شك ان “الذاكرة الجنينية” تعتبر أسوأ حالات فقدان الذاكرة في التاريخ. “كلايف ويرينغ” كان في قمة نشاطه كسائق مشهور في لندن، عندما شاء قدره ان يصاب بفيروس نادر عام ١٩٨٥. انه اليوم في السابعة و الستين من العمر ويعاني من تلف دماغي يلزمه الاقامة الدائمة في وحدة علاجية تحت المراقبة المستمرة. و قد اصيب بهذا التلف الدماغي بسرعة مخيفة في آذار ١٩٨٥ عند عودته الى منزله يعاني من حمى شديدة.
 mm

بدأ كلايف يعاني من أوجاع رأس شديدة و أرق متواصل و ازدادت الحمى في الارتفاع. و في خلال أيام أصبح كلايف في حالة تشويش ذهني ولم يعد يتذكر اسم زوجته ديبورا! و ازدادت الأمور سؤاً عندما اختفى كلايف بشكل غامض من غرفة نومه بعد استغراقه في نوم عميق ليومين متتاليين! وبعد استنفار المستشفيات و مراكز الشرطة في ارجاء لندن، ظهر كلايف فجأة، مرتديا معطفه و متأبطاً نسخة من مجلة التايمز. وكان قد استوقف سيارة أجرة و نسي تماماً أين سيذهب و حتى عنوان منزله! و قد انزله السائق في مركز للشرطة حيث تم التعرف عليه من خلال بطاقة اعتماد “باركلي”!
كان التشخيص الأولي لحالة كلايف إصابته بفيروس انفلونزا كان متفشياً في شرق لندن. لكن حالته الذهنية تدهورت و تم نقله الى مستشفى “سانت ماري” حيث اكتشف الاطباء ان فيروس “هيربس” يعرض خلايا دماغه  للتلف بشكل سريع، ومن المعروف انه من النادر جداً ان يخترق هذا الفيروس مجرى الدم في الخلايا الدماغية ليسبب التهابا في كل أجزاء الدماغ!
و قد اتلف الفيروس المخيخ، و هو جزء حساس من الدماغ مسؤول عن الذاكرة و التعلم، مما سبب بفقدان ذاكرة بنيوية غير قابلة للشفاء!
اما ما يدعو للغرابة فهو عدم تأثر قدرته على عزف الموسيقى بإتقان، بالرغم من عدم إدراكه لهذا الأمر! و بعد ادائه لمقطوعة موسيقية جميلة على آلة البيانو، علق قائلا: ” لم استمع لأي نغمة منذ اصابتي بالمرض! ولا أعرف كيفية العزف على آلة موسيقية!” ان ذاكرته الأسترجاعية أقل تحميلاً من ذاكرة جنين في اسبوعه الأول!
و الملفت انه يحتفظ بمفكرة يومية اعتاد ان يسجل عليها لحظة وعيه الأولى للأحداث التي يعيشها يومياً! لكنها للأسف تتلاشى سريعاً بعد ثوان قليلة، لأن منطقة الذاكرة التحميلية في الدماغ لديها سعة أقل من رسالة الكترونية قصيرة! اي لا يلبث ان ينسى اللحظة المسجلة بعد تدوينها مباشرة!
لكن فقدانه لذاكرة الأحداث اليومية لم تؤثر على قدرته على القراءة و الكتابة، رغم انه لا يستطيع تذكر الكلمات التي قالها أو قرأها! انه يعيش اللحظة نفسها مراراً و تكراراً، دون وعي أو إدراك!  ان ذلك أشبه بموت متحرك، أو بحاسوب غير قادر على التحميل!
كم من الأشخاص اللذين يعانون من صدمات نفسية قاسية تسبب لهم الكوابيس و مشاعر الاحباط يتمنون أن يكونوا مثل “كلايف”؟ قد يكون فقدان ذاكرة الأحداث المؤلمة نعمة للأشخاص ذوي الماضي المأساوي، لكن الحياة الخالية من الذكريات هي عبور دائم في صحراء الوحدة و الغربة و الإنفصال الكلي عن الواقع والروابط العاطفية!
قد تبدو الذاكرة المثقلة بالمآسي عبئاً لا خلاص منه الا بالموت، و قد تبدو الذاكرة الجنينية فرصة يومية متجددة لإختبار الأحداث بطريقة مختلفة ، لكنها أشبه بالموت البطيء الذي يحاول أن يقبض على أطياف من لحظات تتلاشى مثل زبد البحر!

الفئات طرائف وغرائب

Tags:  

التعليقات