أسرار

لم ننسى غالباً ما تعلّمناه؟

لعلّها المشكلة الأصعب لطلّاب المدارس و الجامعات: التعامل مع ذاكرة انتقائيّة، تحتفظ بمعلومات و تحجب معلومات! تارةً تلبّي احتياجاتنا بدقّة متناهيّة فنفرح و نفتخر، و طوراً تخوننا شرّ خيانة، فنقف عاجزين عن تذكّر أبسط المعطيات، و يتجمّد الدمّ في عروقنا من الفراغ المفاجئ في ملفّات ذاكرتنا العشوائيّة، كأنمّا قرّر دماغنا فجأة ان يمحو كلّ أثرٍ للمعلومات، دون سابق إنذار!

 

لكن ما هي الأسباب الرئيسيّة التي تجعلنا ننسى المعلومات المهمّة بشكلٍ مفاجئ؟
لقد وضعت الأخصائيّة “إليزابيث لفتس”، و هي تعتبر من أشهر الباحثات في ديناميكيّة الذاكرة، اربعة أسباب رئيسّية للنسيان الظرفي و المنهجي وهي:

 

matchmallows-chocolate
١- فشل استدعاء المعلومات:
هل شعرت من قبل بأن معلومة ما قد تلاشت من ذاكرتك؟ أو ربّما تشعر بأنها موجودة، ولكنك لا تستطيع أن تجدها؟ يعدّ فقدان القدرة على استرجاع المعلومات من الذاكرة احد الأسباب الأبرز للنسيان الظرفي! فما السبب وراء ذلك؟ نظرية التضاؤل واحدة من الأسباب المحتملة لحدوث هذا الفشل. تفترض نظرية “التضاؤل” أن آثار الذاكرة تبدأ في الخفوت والاختفاء بمرور الوقت، فإذا لم يتم استذكار المعلومة وتكرارها، فسيتم فقدانها في النهاية!
ومع ذلك فإن أحدى المشاكل في هذه النظرية تتمثّل في أن الأبحاث أثبتت أن المعلومات التي لا يتّم تكرارها وتذّكرها تستقرّ عميقاً في الذاكرة طويلة الأجل، لكنّها لا تتلاشى، بل قد تسترجعها الذاكرة في ايّ وقت لاحق!

 

٢- تداخل الذكريات مع بعضها البعض و تشابكها:
تفترض نظرية التداخل أن بعض الذكريات تتداخل مع ذكريات أخرى، فالتداخل يقترب من الحدوث، عندما تتشابه المعلومات الجديدة مع معلومات أخرى احتفظت بها الذاكرة مسبقا. وهناك نوعان أساسّيان للتداخل:

 

-التداخل الاستباقي:
يحدث هذا التداخل عندما تشكّل معلومة قديمة صعوبة لا تسمح للذاكرة بتخزين معلومة جديدة.
– التداخل الرجعي:
يحدث هذا التداخل عندما تهيمن معلومة جديدة على الذاكرة فتضعف القدرة على تذكّر معلومة قديمة تمّ تعلّمها سابقاً!

 

٣- الفشل في تخزين المعلومات:
في بعض الأحيان لا يرتبط فقدان المعلومات بالنسيان بقدر ما يرتبط بحقيقة أن المعلومات لم تصل أصلًا إلى الذاكرة طويلة الأمد، التي يتركّز نشاطها في الجزء الأسفل من الحصين! فأحياناً يحول الفشل في التخزين دون دخول المعلومة للذاكرة طويلة الأمد، حيث يفترض ان تترسّخ المعطيات لوقت طويل!
لنفترض انّه طلب منك ان ترسم علم بلادك من الذاكرة، دون ان تتمكّن من التدقيق في التفاصيل! ثم سيتمّ مقارنة ما رسمته مع صورة العلم الفعليّة. ترى ما مدى التشابه بين الرسم الأصلي و الرسم من الذاكرة؟ ستكتشف انّك كنت فقط قادراً على تذكّر الشكل و اللون، لكنّ ذاكرتك لم تحتفظ بالتفاصيل الفرعيّة!
و السبب الكامن وراء هذه المفارقة أن التفاصيل الضرورية الممّيزة للعلم من بين الاعلام الأخرى، قد تمّ تدوينها في الذاكرة طويلة الأمد، ممّا سمح لك ان ترسم الواقع بخطوطه العريضة من الذاكرة، دون التركيز على التفاصيل الصغيرة! هذا النوع من التذكّر العملي نختبره غالباً في دراستنا و حياتنا اليوميّة، و هو يساعدنا على تطوير معلوماتنا انطلاقاً من المعطيّات الأساسيّة الطويلة الأمد!

 

٤- النسيان المدفوع او المقصود:
في بعض الأحيان نسعى بجهد لنسيان ذكريات مؤلمة، وخصوصاً تلك المرتبطة بأحداث واختبارات مزعجة وصادمة، والشكلان الرئيسيان للنسيان المقصود هما:

 

-النسيان الواعي :
هذا النوع من النسيان الواعي يفترض قراراً إراديّاَ واعياً بنسيان المعطيات ّ ذات المدلول السلبي او العديمة الجدوى، و هو من الأسس الذهنيّة للتعلّم و بناء الذاكرة المنهجيّة!

 

-النسيان اللا واعي:
النسيان اللاواعي عمليّة معقّدة لأنها تفترض كبتاً لا إراديّاً لمعلومات تشكّل إضطراباً او ألماً نفسيّاً لا قدرة للدماغ على مواجهته! لذلك لا تلبث ان تتلاشى من الذاكرة بسبب غياب الأنشطة العقلية مثل التكرار والتذكّر، التي تٌعدّ وسائل هامّة لتقوية الذاكرة، والذكريات المؤلمة أو الصادمة لأحداث الحياة نادرًا ما يتمّ تذكّرها أو مناقشتها أو تكرارها! هذا النوع من النسيان اللاواعي يتضمّن خطورة نفسيّة مستقبليّة لأن عمليّة الكبت المؤلم غالباً ما تؤدّي الى إفراغ رجعي للذاكرة الطويلة الأمد، عندما تتوفّر الظروف التي تفجّر خزّان هذه الذكريات!

 

يبقى ان نشير ان انماط الذاكرة متعدّدة، بعضها قصير الأمد، و بعضها طويل الأمد:
١- الذاكرة الدلاليّة: تنفع فقط في التعلّم اليومي المتواصلّ، لكنّها قصيرة الأمد!
٢- الذاكرة الفوتوغرافيّة( او التصويريّة): فعّالة في التذكّر الدقيق و الشامل، تعتبر طويلة الأمد، اما فائدتها التعليميّة فمحدودة!
٣- الذاكرة المقطعيّة او المنهجيّة: تعتمد هذه التقنيّة على التقطيع العقلي المنهجي للمعطيّات، بحيث يسهل استذكارها انطلاقاً من تسلسل هذه المعطيات! و هذه الذاكرة العلميّة بإمتياز تعتبر افضل انماط التذكّر على الإطلاق، و اكثرها ترسيخاً و ديمومة!

الفئات الحياة الشخصية والعائلية

التعليقات